arablog.org

تردد أفقي (III): عن الانفصام

انفصام:

حين وصلت العدوى لمدينتي … قررت الابتعاد عنها في داخلي … شعرت بداية بالحنق عليها لأنها بهذا الضعف … ثم شعرت بالشفقة …تغيرت ملامحها وألوانها وامتلأت بالكثير من الرموز والصور، أصبحت فارغة وكأن كل سكانها الذين اعتدتهم سافروا عنها وعني في يوم واحد فانفصلت عنها تماماً … وعني.

استغرقت في نسج السيناريوهات الخاصة بي لأستطيع الصمود ريثما أصحو يوماً … وكثيراً ما بت أتساءل إن كان ما يحدث لنا كابوساً حقاٌ .. أو أننا جميعاٌ وفي لحظة ما استيقظنا من حلم كنا نظنه حياتنا الاعتيادية، لم أعثر على إجابة مرضية ولكني استطعت الانسلاخ عن الواقع، وكأني أتيت إليه في يوم مضى من عالم آخر … وإذ بأسئلة لا تنتهي تتشابك في رأسي. تعلمت حينها كيف يحدث أن تصبح الصور والكلمات طلاسماً، وكيف يتحول بعض البشر لجرذان والبعض الآخر لكائنات باهتة …

تعلمت كيف أغمض عيني وأقفز على الرصاصات  أثناء الاشتباك بخفة، كيف أسمع أصواتها غير المضبوطة بإيقاع كأغصان بعيدة تتكسر أو خطوات متسارعة لنساء يرتدين الكعب العالي ويمشين على السماء بالمقلوب، كيف أصغي لهطول بَرَد كثيف وهمي حين يطلق سيل النار تصريحاً بوفاة أحدهم وتهميشاً أكثر لوجودي وإلغاءً متعمداً لي، ولأطمئن نفسي والآخرين أخبرتهم أن صوت المدفع الضخم الذي يسمعه الجميع في آن واحد قد يكون مجرد تسجيل تبثه مكبرات موقوتة في نفس اللحظة فيصدح الدوي الهائل في أجواء المدينة لبث الرعب لا أكثر.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *